Saturday 31 July 2010

أسود - أبيض

استيقظ فوجد أنه من المفروض ان يعود إلى النوم مرة اخرى لان الليل مازال مخيما على أجواء غرفته
لم تدخل خيوط النهار الفضية المعتاده عبر ثقوب الستارة الملونة
لتعلن عن مولد يوم جديد واحداث جديدة
حاول ان يعود إلى فراشه الدافيء مرة اخرى لكنه وجد حركة غير معتادة في مثل هذا الوقت من " الليل" يأتي مصدرها من وراء الستارة ذات الدوائر الكثيرة
-قاوم الكسل وذهب ليستكشف ماذا يدور بالخارج في هذا الوقت المتأخر- هكذا ظن-
فتح باب الشباك فوجد ان الكل مستيقظ
وان الجميع بدأ في نشاطاته المعتادة
المملة والمتكررة
صاحب السوبرماركت فتح أبواب المحل
وهاهو البواب ينتهي من غسيل سلالم مدخل العمارة
كذلك المدرسة التي يطل شباكه عليها فتحت ايضا ويسمع اصوات الطلاب
الغريب في الأمر ان كل شيء اكتسى بالسواد
هو يرى بواب العمارة لا يراه كما اعتاد لكنه يراه كتلة سوداء تتحرك ببطء لمسح المدخل
تعاونه ابنته الصغيرة
وقد تحولت هي الأخرى إلى بقعة شديدة الظلام
كذلك رأى التلاميذ يلعبون ويصرخون
هو يراهم لكنهم ايضا كتل سوداء تتحرك في ظلمة شديدة لا يعرف متى بدأت ولا متى ستنتهي
ولا كيف حدثت
حاول ان يتحسس يده "ا ويقرصها" لكي يتأكد ان هذا كابوسا من الكوابيس التي اعتاد عليها في السنوات الأخيرة
لكنه شعر بألم القرصة
.....
فتح باب الغرفة ليجد امه تحضر الافطار لكنها هي الأخرى مكتسية بالسواد
كذلك اباه يطالع نشرةالاخبار
وهو غائص في مقعده المعتاد الذي لم يغيره منذ امد بعيد ثلاثون عاما تقريبا ...
رآه هو ايضا لا يظهر منه شيء
جن جنونه ماهذا الذي يحدث ؟
مجرد أشكال هندسية اعتاد ان يراها لكنها الآن اختفت أو تحولت إلى كتل متحركة غاية في الغموض
صباح الخير يا أمي لم ترد عليه
أو خيل اليه كذلك ...هي ردت لكنها لم تنظر اليه
فتح باب الشقة ليحضر جرائد الصباح
من جارهم الاستاذ عماد لانه يستيقظ مبكرا ويأتي بها إليهم
دق الباب فتح له عماد الموغل في سواد لا قرار له واعطاه الجرائد وقفل الباب دون ان يعطيه أي فرصة للكلام معه
هي نفس الجرائد بنفس العناوين المستفزة المعتادة كلام المسئولين الممل الكئيب المتكرر عن الاستقرار ومعدلات النمو
وعن حكمة الزعيم الملهم الذي لم ولن تنجب بنات الأرض مثله
وكلام المعارضين والنخب الأكثر كآبة
.......كلام.... عن احلام التغيير التي لم يلمح أي منها سوى تغيير رابطات عنق النخبة الداعين إلى التغيير
دخل إلى غرفته سريعا ليكتشف ان صفحات الجريدة هي الأخرى سوداء
لكنه يستطيع بسهولة ان يتعرف على الحروف ويجمعها لتكتمل الجمل
والاخبار والقصص
براءة صاحب قضية اكياس الدم الملوثة
الحكم على مراكبي بالسجن عشرة سنوات لتسببه في مقتل 6 فتيات
بينما المتسبب في مقتل ألف وثلاثمائة نفس حر طليق في بلاد الضباب
بداية محاكمة لنشطاء حقوقيين
وسط تكهنات ان المحاكمة سوف تدار بأحدث تقنيات " التحكم عن بعد "... والثري جي اس من مكتب ال.... مباشرة
احتمالات زيادة معدلات سرطان الاطفال والفشل الكلوي في مصر بحلول عم 2040
اعلان الدولة الفلسطينيه من جانب واحد
قانون الاحوال الشخصية الموحد ....
صحة الرئيس ونشاطاته التي لا تنتهي ....
الصراع الكوميدي مع دول حوض النيل
كلها حروف ثقيلة وكئيبة
تكون جملا اكثر كآبة
تداخلت الكلمات مع بعضها البعض لتكون دوامات من الاحرف
لا معنى ولا نهاية لها
تمكنت الكلمات البائسة من التسلل الى أعماقه متحولة لفيروس يأس قاتل
وسيط ذاك اللعين عليه بحيث لم يعد هناك مكان لاي بارقة امل
حول ان يغمض عينه ليخلد مرة اخرى إلى النوم الذي اصبح في هذه اللحظة الملجأ والملاذ الاخير
لكن دخلت عليه شقيقته علياء تخبره بأن عليه ان ينزل لاحضار بنات اخته الكبرى من" محطة مصر" لانهم عالقون هناك
ويخشون الركوب مع أي سائق تاكسي
طلب منها ان تعطيه دقائق ليجهز نفسه
نظر إلى علياء فاكتشف انها الوحيدة دون الجميع تظهر له بشكل طبيعي ملائكي طالما اعتاد على رؤيته
وليست شبحا من تلك الاشباح السوداء المرعبة التي رآها منذ بداية اليوم العجيب

2 comments:

  1. نعم اننا نتحرك فى ظلمه شديده،وصف رائع بلغه راقيه للحاله التى نعيش فيها،هل نعاود النوم ? هروبا وملحأ وملاذا،ام نستيقظ ونواجه الاشباح.

    ReplyDelete
  2. دائما ما ازور المدونه لقراءة هذا الموضوع .قطعه من الادب الرفيع الرمز واضح ، ومخفى فى نفس الوقت وبدون ثرثره .لماذا يا صديقتى العزيزه لا تستعملى الفصلة والنقطة بلا من السطور المستقله ،جربى

    ReplyDelete